ارتفاع غير مسبوق في مشاركة النساء بسوق العمل ونمو قوي للوظائف في القطاع الخاص — خصوصاً في السعودية والإمارات

ارتفاع غير مسبوق في مشاركة النساء بسوق العمل ونمو قوي للوظائف في القطاع الخاص — خصوصاً في السعودية والإمارات

تشهد منطقة الشرق الأوسط والخليج تحولاً نوعياً في مشاركة المرأة بسوق العمل، حيث تسجّل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أرقاماً قياسية جديدة في معدلات توظيف النساء ونمو الوظائف في القطاع الخاص، في مؤشر على التحوّل الاقتصادي والاجتماعي العميق الذي تعيشه المنطقة.

بحسب بيانات رسمية وتقارير اقتصادية حديثة من مؤسسات إقليمية ودولية، تجاوزت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة بالسعودية 36% في منتصف عام 2025، مقارنة بنحو 17% فقط قبل أقل من عقد. وفي الإمارات، بلغت النسبة أكثر من 33% من إجمالي القوى العاملة، في حين تشكّل النساء اليوم قرابة نصف خريجي الجامعات، ما يعكس تقدماً ملموساً في تمكين الكفاءات النسائية وتحقيق أهداف التنمية والاستدامة.

طفرة في الوظائف الخاصة

يشير الاقتصاديون إلى أن هذا الارتفاع ترافق مع توسع كبير في فرص العمل بالقطاع الخاص، حيث أصبحت الشركات في كلا البلدين أكثر انفتاحاً على توظيف الكفاءات النسائية، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا، والتمويل، والاتصال المؤسسي، وريادة الأعمال. وفي السعودية، جاءت هذه الطفرة نتيجة إصلاحات سوق العمل ضمن رؤية 2030، التي ركزت على رفع تمثيل المرأة في الاقتصاد الوطني وتقليص الفجوة بين الجنسين في فرص العمل.

من جهتها، أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية خلال العام الجاري عدة برامج لدعم توظيف النساء في القطاعات سريعة النمو، مثل السياحة والضيافة، فضلاً عن منح حوافز للشركات التي تعزز بيئات عمل مرنة تتيح التوازن بين الحياة المهنية والأسرية.

أما في الإمارات، فتواصل الحكومة دعم المبادرات التي تشجع على الريادة النسائية، حيث أعلنت وزارة تنمية المجتمع مؤخراً عن ارتفاع عدد الشركات المملوكة أو المدارة من قبل سيدات أعمال بنسبة 20% خلال العام 2024، فيما تعمل مؤسسات مثل SheTrades وWomen in Tech UAE على تدريب وتأهيل آلاف النساء لدخول مجالات التكنولوجيا الحديثة.

التحوّل الثقافي والاجتماعي

يصف الخبراء هذا التوسع بأنه ليس مجرد تطوّر اقتصادي، بل تحول ثقافي مستمر، تقوم خلاله المجتمعات الخليجية بإعادة تعريف دور المرأة في التنمية الوطنية. ويقول الدكتور فهد الأنصاري، خبير الاقتصاد الاجتماعي، إن “المعنى الحقيقي لهذا النمو في مشاركة المرأة لا يقتصر على الأرقام، بل في جودة الوظائف المتاحة لها واستمرارها في مراكز القرار وصناعة المستقبل الاقتصادي.”

ويضيف أن “تنامي وظائف القطاع الخاص يخلق فرصاً أكثر مرونة وإبداعاً، خصوصاً في الشركات الناشئة والاقتصاد الرقمي، ما يعزز استقلالية المرأة ويزيد من تنوع بيئات العمل.”

من الناحية الاقتصادية، يشير تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن زيادة مشاركة النساء في سوق العمل يمكن أن تضيف حتى 600 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحلول عام 2035، إذا استمرت الاتجاهات الحالية. كما أظهرت بيانات غرفة تجارة دبي أن الشركات التي تضم نساء في المناصب القيادية تحقق أداء مالياً أفضل بنحو 10% إلى 15% مقارنة بغيرها.

ويؤكد القطاع المالي كذلك أن الاستثمار في تمكين المرأة يحقق عائداً مستداماً للاقتصاد الكلي، إذ باتت النساء يشغلن مناصب إدارية في المصارف وشركات الاستثمار الكبرى، ويقدن مبادرات تمويل مشاريع مبتكرة في مجالات التكنولوجيا الخضراء والتحول الرقمي.

تتفق آراء المراقبين على أن الاتجاه الصاعد لمشاركة النساء في سوق العمل الخليجي سيستمر بفضل السياسات الحكومية الداعمة والمنظومة الاقتصادية المتنامية. ورغم التحديات المتبقية، لا سيما في بعض القطاعات التقليدية، فإن التقدم الحالي يعكس وعياً مجتمعياً جديداً يؤمن بدور المرأة كشريك فاعل في التنمية وليس كفئة مساندة.

بهذا الازدهار الذي تقوده السعودية والإمارات، ترسم المنطقة نموذجاً إقليمياً في تمكين المرأة اقتصادياً، مما يؤكد أن تنمية الكفاءات النسائية لم تعد مجرد قضية مساواة بل خياراً استراتيجياً لتحقيق النمو المستدام والتنافسية العالمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *