تعيش دول مجلس التعاون الخليجي مرحلة ازدهار حقيقي في قطاعي السياحة والضيافة، مع تسجيل معدلات نمو لافتة في الإيرادات وعدد المشاريع الجديدة، في وقت تستعد فيه المنطقة لتصبح واحدة من أبرز الوجهات السياحية على مستوى العالم بحلول عام 2030.
تشير تقديرات مراكز أبحاث السياحة الإقليمية إلى أن إجمالي عدد الغرف الفندقية (المعروفة بـ “مفاتيح الفنادق”) في دول الخليج سيرتفع بنسبة تتجاوز 25% خلال السنوات الخمس المقبلة، مدفوعاً بموجة استثمارات واسعة النطاق في البنية التحتية السياحية، والفنادق المتوسطة والعالية المستوى، والمشاريع الترفيهية التي تمتد من سواحل عمان إلى مدن السعودية والإمارات.
عائدات تتجاوز التوقعات
وفقاً لتقارير اقتصادية حديثة، شهدت إيرادات القطاع السياحي ارتفاعاً بنسبة تصل إلى 18% على أساس سنوي في عدد من الوجهات الخليجية، خصوصاً في سلطنة عمان التي حققت قفزة كبيرة بفضل تسهيلات التأشيرات وتنوع الفعاليات الثقافية والرياضية. وفي الإمارات، تجاوز عدد الزوار الدوليين حاجز 15 مليون زائر خلال عام 2024، بينما سجّلت السعودية رقماً قياسياً في عدد السياح الوافدين مع ارتفاع معدلات إشغال الفنادق في المدن السياحية مثل الرياض وجدة والعلا.
ويرى خبراء السياحة أن الحملة المتجددة لتسهيل إجراءات الدخول عبر التأشيرات الإلكترونية وبرامج الزيارة القصيرة، إلى جانب أجندة الفعاليات السنوية الغنية بالمهرجانات والمؤتمرات، قد ساهمت في ترسيخ مكانة الخليج كمنطقة جاذبة للسياحة الدولية والعائلية على حد سواء.
بالنسبة لروّاد الأعمال والمستثمرين المحليين، تبدو الصورة أكثر إشراقاً. فمع ازدياد الطلب على خيارات الإقامة المتوسطة والسياحة التجريبية (Experiential Tourism)، ترتفع جدوى الاستثمار في الفنادق من الفئة المتوسطة، ومشاريع المأكولات والمشروبات (F&B)، والمغامرات السياحية الجديدة.
يشير مستثمرون عقاريون إلى أن العائدات السنوية على الاستثمار في هذه القطاعات بدأت فعلاً تتفوق على متوسط عوائد العقارات السكنية أو التجارية التقليدية، خاصة في المدن التي تشهد نمواً سياحياً مستمراً مثل دبي ومسقط والدوحة.
ويوضح أحد الخبراء أن “التحول من التركيز على العقار الساكن إلى العقار التشغيلي، مثل الفنادق والشقق الفندقية والمطاعم، أصبح خياراً أكثر أماناً وربحيةً في البيئة الاقتصادية الحالية، خصوصاً مع ازدياد الإقبال على السفر الداخلي والإقليمي.”
السياحة المستدامة والطلب الجديد
يتنامى اهتمام الحكومات الخليجية بقطاع السياحة المستدامة المتوافقة مع البيئة والثقافة المحلية. وتعمل العديد من الجهات الرسمية على تشجيع المشاريع التي تقدم تجارب فريدة للمسافرين، مثل السياحة في الصحراء، والسياحة الثقافية والرياضية، والمهرجانات الموسمية.
وقد ساعدت هذه المبادرات في تنويع مصادر الدخل الوطني وتعزيز صورة المنطقة كوجهة توفر تجارب تجمع بين الفخامة والتراث والطبيعة.
مع اقتراب أهداف “رؤية 2030” في السعودية و”استراتيجية السياحة الوطنية 2031” في الإمارات، تسعى الحكومات إلى رفع مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي بما يتراوح بين 10% و15%. ويبدو أن الطريق نحو ذلك أصبح أوضح من أي وقت مضى، في ظل علاقات دولية قوية واستراتيجيات تسويق رقمية مدروسة ودعم البنية الأساسية، من المطارات الحديثة إلى شبكات النقل الذكية.
لقد أصبحت السياحة اليوم أحد أعمدة الاقتصاد الخليجي الجديد — لا كصناعة للضيافة فحسب، بل كمحرك للاستثمار، وريادة الأعمال، والهوية الثقافية، ما يجعلها فرصة ذهبية لكل من يبحث عن مستقبل مستدام ومربح في قلب المنطقة.








