- محاولة إعادة التوازن بين كفتي زراعة البن وزراعة القات بدأت تؤتي ثمارها في اليمن
- القات يستهلك موارد متناهية من المياه الجوفية ومن معظم الأراضي الصالحة للزراعة في اليمن
- على الرغم من انهيار الاقتصاد اليمني بجميع المعايير، إلا أن إنتاج القات واستخدامه آخذٌ في الارتفاع
اتسعت المساحات المزروعة بالبن في اليمن، وارتفعت معدلات إنتاجه، بعد أن شهدت تراجعًا في الآونة الأخيرة لصالح القات.
يُقال إن إيقاف تغوُّل زراعة شجرة القات جاء نتيجة ’إستراتيجية تنمية محصول البن‘، التي أطلقتها وزارة الزراعة التابعة للحوثيين، والممتد أمد تنفيذها من 2019 إلى 2025.
وفق محمد حارث، مدير عام دائرة البن بوزارة الزراعة والري في صنعاء، ورئيس فريق إعداد الإستراتيجية، غُرست ملايين الشتلات؛ لزيادة المساحة المزروعة بالبن من 34 ألف هكتار حاليًّا إلى 43 ألف هكتار.
يقول حارث لشبكة SciDev.Net: ”زرعنا حتى الآن أكثر من 5 ملايين شتلة في محافظات صنعاء وذمار وإب والمحويت وصعدة وحجة وعمران وتعز“.
هذه المناطق تخضع لنفوذ الحوثيين، ويبسطون سيطرتهم عليها.
هدف الإستراتيجية هو ”زيادة العملة الصعبة التي يحصل عليها اليمن من تصدير البن من 45 مليون دولار حاليًّا إلى أكثر من 600 مليون دولار سنويًّا بحلول عام 2025“، عن طريق رفع الإنتاجية وتحسين الجودة للوصول إلى تصدير 50 ألف طن سنويًّا في نهاية المطاف.
ما تم إنجازه حتى الآن -وفق حارث- ”بلوغ معدل إنتاج سنوي بلغ 25 ألف طن، وهذا رقم جيد مقارنةً بما تم تسجيله في عام 2019، وكان متوسط إنتاجيته دون عشرين ألف طن“.
كانت أصوات قد تعالت مطالِبةً بالعودة إلى زراعة البن والحد من زراعة شجرة القات التي يمثل اتساع رقعة زراعتها خطرًا كبيرًا على الاقتصاد والأمن الغذائي للبلد الغارق في الحرب والصراع والأزمات منذ أكثر من 8 سنوات.
ويذكر تحليل سلسلة قيمة البن والقات في اليمن الذي أعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن للقات آثارًا سلبيةً على المجتمع، مثل الآثار الصحية الضارة، وإرهاق الميزانيات المالية للأسر، والإسهام في الفقر.
الإستراتيجية التي ترافقت مع قرار يحظر استيراد البن وقشوره، عدهما حارث بمنزلة ”تتويج للثورة الشعبية والمجتمعية الهادفة إلى وقف تغول شجرة القات والتوجه نحو إنتاج البن مجددًا“.
لطالما مثَّل البن مصدر دخل كبيرًا للمزارعين اليمنيين منذ نحو ستمئة عام، وحقق شهرةً عالميةً واسعة، قبل أن تتراجع زراعته تدريجيًّا خلال العقود الثلاثة الماضية، وفق توضيح محمد عثمان، رئيس الاتحاد التعاوني لجمعيات منتجي البن اليمني.
عثمان عزا هذا التراجُع إلى الظروف المناخية القاسية وهجرة الأيدي العاملة الماهرة.
يقول عثمان لشبكة SciDev.Net: ”السنوات العشر الماضية كانت الأكثر قسوةً على زراعة البن“.
بالأرقام يبين أمين راجح -الخبير لدى الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي- أن عدد أشجار القات في اليمن حتى عام 2019 بلغ نحو ”350 مليون شجرة، مزروعة على مساحات تجاوز مجموعها 167 ألف هكتار“ على حد قوله.
”في ظل البحث عن الدخل السريع، وزيادة أعداد المتعاطين كثيرًا“ -كما يمهد راجح لتفسير التغول- اندفع المزارعون للسباق نحو قلع محاصيل وأشجار مثمرة في مناطق مختلفة وزرع شجرة القات.
تلك الشجرة مثلت تهديدًا وضغطًا على الرقعة الزراعية للمحاصيل الأخرى اللازمة للأمن الغذائي.
وعلى النقيض -كما يوضح راجح- ”مع كل شجرة قات يتم قلعها وغرس شجرة بن بدلًا منها يتم توفير الكثير من المياه“.
مسألة الري هذه تحتاج إلى بيان، تكفل به راجح إذ يقول: معلوم أن القات والبن من الأشجار المطرية في اليمن، لكن الحاصل عندنا أن مردود القات العالي والسريع يدفع مزارعيه إلى ريه بالغمر من المياه الجوفية.
وكلما زاد عدد الريات ازداد العائد، ففي القيعان الواسعة يتم ري القات نحو عشرين مرةً في السنة.
في المقابل معظم زراعة البن في اليمن بعلية بحتة، أي تعتمد على الري المطري، وفي حالات قليلة يتم عمل ري تكميلي لأشجار البن، ربما مرتين إلى ثلاث مرات في السنة.
والواقع أن ”زراعة القات تستهلك ثلث المياه الجوفية المستخرجة في اليمن“، وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وعلى الرغم من أن القات محصول نقدي مهم في الاقتصادات الريفية ويسهم على المستوى الجزئي في الأمن الغذائي من خلال توفير الدخل للعاملين في هذا القطاع، فإنه في الوقت نفسه يقلل من الإمدادات الغذائية المحلية؛ لأنه يستهلك المزيد والمزيد من المياه، والأراضي يمكن استخدامها لزراعة المحاصيل الغذائية الزراعية المحلية ولتصدير السلع مثل القهوة.
”ولمواجهة خطر انتشار القات اتجهت قطاعات خاصة ومنظمات مجتمع مدني إلى إحداث ثورة في زراعة البن اليمني وإنتاجه وتصديره“، وفق كامل القدسي، الذي يعمل مستشارًا بمؤسسة العمادي لإنتاج وتصدير البن.
يقول القدسي: ”شهدت الكثير من المناطق الزراعية مبادرات واسعة لاقتلاع شجرة القات وإحلال أشجار البن محلها“، مستشهدًا على ذلك بما حدث في مديرية حراز التابعة لمحافظة صنعاء، حيث حظر الأهالي تعاطي القات وقاموا باقتلاع نحو خمسمئة ألف شجرة وزرعوا بدلًا منها أكثر من نصف مليون شتلة بن.
التحول الكبير في مسار زراعة البن اليمني يعزوه القدسي إلى زيادة الطلب على البن اليمني على المستوى العالمي، إذ بدأ تجار يمنيون خوض المنافسة في الأسواق الخارجية عبر معارض عربية ودولية حقق البن اليمني خلالها نتائجَ إيجابية.
جدير بالذكر، وفق نص الإستراتيجية، أن أقل سعر للكيلو جرام من البن اليمني في الخارج حوالي 15 دولارًا، بينما لا يتعدى سعر الكيلو من أنواع البن الأخرى دولارين اثنين.
ورغم النجاح الملموس الذي تحقق حتى الآن، ما زال عثمان يشعر بالأسى، فالسوق المحلية ”لا تزال خاضعة لعوامل العرض والطلب، وهذا لا يحقق دومًا أسعارًا عادلةً للمزارعين ولا يرضيهم“.
وللعمل على حل هذه المعضلة يؤكد عثمان ضرورة كسر احتكار المصدرين وتشجيع الجمعيات الزراعية على تسويق منتجاتهم وتصديرها بأنفسهم، للحصول على مردود مناسب يشجع المزارعين على الاستمرار في زراعة البن وإنتاجه.
ويؤكد التحليل الأممي أن استهلاك القات وإنتاجه زاد وتسارع مع بداية الحرب، وصار سببًا جذريًّا نظاميًّا للفقر المتأصل في جميع فروع المجتمع، وترسخ من خلال جاذبيته الاقتصادية للجهات الفاعلة.
وقرر أن ”إنتاج القات يُدر دخلًا، إلا أنه لا يوفر أي قيمة غذائية في بلد يعاني من نزاع طويل الأمد وارتفاع معدلات سوء التغذية“.
(هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)