
اختتم الرئيس دونالد ترامب اليوم جولته التي استمرت أربعة أيام في الشرق الأوسط، بعد أن أسفرت عن التزامات اقتصادية غير مسبوقة، واختراقات دبلوماسية مع سوريا، وتطورات واعدة نحو اتفاق نووي مع إيران. وتميزت الزيارة، التي شملت السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، باستقبالات فاخرة واتفاقيات تجارية ضخمة، ما قد يشير إلى تحول كبير في نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة.
استقبال ملكي واتفاقيات سعودية قياسية
بدأت جولة ترامب في الشرق الأوسط باستقبال حافل في الرياض في 13 مايو، حيث استقبله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شخصياً في مطار الملك خالد الدولي، في ترقية بروتوكولية ملحوظة عن زيارته السابقة في 2017 عندما كان الملك سلمان هو من استقبله. وأبرز هذا الاستقبال مكانة ولي العهد المتقدمة في الحكومة السعودية.
وخلال الاجتماعات في السعودية، حصل ترامب على التزام باستثمارات سعودية بقيمة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة. وأعرب ولي العهد عن طموحات أكبر قائلاً: “اليوم نحن متفائلون بفرص استثمارية تصل إلى 600 مليار دولار، بما في ذلك 300 مليار دولار في صفقات تم توقيعها خلال هذا المنتدى. وفي الأشهر المقبلة، سنعمل على المرحلة الثانية لتوقيع اتفاقيات ورفع هذا الرقم إلى تريليون دولار”.
وشملت الاتفاقيات حزمة تعاون دفاعي ضخمة بقيمة 142 مليار دولار وُصفت بأنها “أكبر اتفاقية تعاون دفاعي” على الإطلاق بين واشنطن وأي دولة أخرى. وتغطي الصفقات عقوداً مع أكثر من اثنتي عشرة شركة دفاع أمريكية في مجالات أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي، وتطوير القوات الجوية والفضائية، وأمن الملاحة البحرية، وتقنيات الاتصالات.
نهج جديد في العلاقات مع الشرق الأوسط
وفي منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، أعلن ترامب عن تحول كبير في سياسات الإدارات السابقة تجاه المنطقة. وأشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن تعهده بعدم إعطاء “محاضرات حول كيفية العيش” لدول الشرق الأوسط هو بمثابة “إدانة لعقود من السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة”. وقد لاقى هذا الموقف ترحيباً من القادة الإقليميين الذين يسعون لتعزيز العلاقات الاقتصادية دون انتقادات غربية لسياساتهم الداخلية.
وقال ترامب خلال لقائه مع ولي العهد: “أنا أؤمن حقاً بأن لدينا تقديراً متبادلاً قوياً”. ويعكس هذا الشعور أولوية إدارته للعلاقات التجارية والشراكات الاستراتيجية على حساب الاهتمامات التقليدية بحقوق الإنسان.
وأكد وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح على تطور طبيعة العلاقات السعودية الأمريكية في المنتدى: “بينما لا تزال الطاقة أساس شراكتنا، توسعت آفاق الاستثمار والأعمال في المملكة بشكل كبير. وعندما يتعاون السعوديون والأمريكيون، غالباً ما يؤدي ذلك إلى نتائج إيجابية للغاية، وكثيراً ما تتحقق إنجازات مذهلة من هذه الشراكات”.
انفتاح تاريخي مع سوريا وتخفيف العقوبات
وفي اختراق دبلوماسي مهم، التقى ترامب بالرئيس السوري أحمد الشعار خلال إقامته في السعودية، في أول لقاء بين رئيس أمريكي وسوري منذ لقاء بيل كلينتون مع حافظ الأسد في جنيف عام 2000. وشارك في هذا اللقاء التاريخي كل من ولي العهد السعودي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وخلال هذا الاجتماع، أعلن ترامب عن خطط لرفع العقوبات عن سوريا، وهي خطوة اعتُبرت “حاسمة لإعادة إعمار البلاد”. وقد أثار هذا القرار احتفالات في سوريا ويمثل تحولاً كبيراً في سياسة الولايات المتحدة تجاه الدولة التي مزقتها الحرب.
تقدم في الاتفاق النووي مع إيران
وربما كان الأمر الأكثر مفاجأة، إعلان ترامب عن تقدم كبير نحو حل النزاع النووي الطويل الأمد مع إيران. وخلال زيارته للإمارات في 15 مايو، قال ترامب إن الولايات المتحدة “تقترب جداً من تأمين اتفاق نووي مع إيران”، مشيراً إلى أن طهران “وافقت تقريباً” على الشروط المقترحة.
وأضاف ترامب للصحفيين: “نحن منخرطون في مناقشات جادة للغاية مع إيران تهدف لتحقيق سلام دائم. نحن نقترب من التوصل لاتفاق دون الحاجة إلى اللجوء لوسائل أخرى… هناك طريقان لهذا: أحدهما طريق إيجابي جداً، والآخر أكثر عدوانية، لكني أفضل تجنب الأخير”.
ورغم أن مصدراً إيرانياً أقر بوجود قضايا عالقة في المفاوضات، إلا أن التقدم الظاهر يمثل اختراقاً محتملاً في أحد أكثر النزاعات استعصاءً في المنطقة. وكانت إدارة ترامب قد قدمت مقترحاً لإيران خلال الجولة الرابعة من المفاوضات التي عقدت في عمان يوم الأحد.
زيارات قطر والإمارات تعزز التركيز الاقتصادي
بعد السعودية، توجه ترامب إلى قطر في 14-15 مايو، حيث أبرم اتفاقيات اقتصادية ضخمة أخرى. ووقعت الخطوط الجوية القطرية صفقة لشراء ما يصل إلى 210 طائرات من بوينغ، وصفها ترامب بأنها “أكبر طلبية طائرات في تاريخ بوينغ”. وأعلنت الولايات المتحدة عن صفقات بقيمة تزيد عن 243 مليار دولار مع قطر، بما في ذلك اتفاقيات دفاعية و38 مليار دولار لقاعدة العديد الجوية.
وكانت المحطة الأخيرة لترامب في أبوظبي في 15 مايو، ليصبح ثاني رئيس أمريكي يزور الإمارات وهو في منصبه. وجاءت زيارته لمسجد الشيخ زايد الكبير مع خالد بن محمد آل نهيان لتؤكد الجوانب الثقافية والدبلوماسية للزيارة.
هل تهب رياح سلام جديدة في الشرق الأوسط؟
وصفت صحيفة واشنطن بوست زيارة ترامب بأنها تمثل “تحولاً كبيراً في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط” حيث “لا يوجد أعداء” للولايات المتحدة. ويعد هذا النهج، الذي يركز على الشراكات الاقتصادية بدلاً من الخلافات الأيديولوجية، خروجاً جذرياً عن استراتيجيات الإدارات السابقة.
وقد أثارت الصفقات الاقتصادية الضخمة، والانفتاح الدبلوماسي مع أنظمة كانت معزولة سابقاً، والتقدم في حل القضية النووية الإيرانية، تساؤلات حول ما إذا كانت حقبة جديدة من السلام تلوح في الأفق في منطقة طالما اتسمت بعدم الاستقرار. ويراهن ترامب على أن الازدهار الاقتصادي قد ينجح حيث فشلت الضغوط السياسية.
ومع ذلك، أثار بعض النقاد مخاوف بشأن أخلاقيات بعض الترتيبات. فقد جاءت الزيارة في ظل صفقات تجارية لعائلة ترامب، بما في ذلك أبراج سكنية تحمل علامة ترامب في دبي وجدة، ومنتجع جولف يحمل علامة ترامب في قطر، واستثمارات من صندوق الاستثمارات العامة السعودي في مشاريع مرتبطة بجاريد كوشنر صهر ترامب.
مصدر الصورة: حساب كارولين ليفيت على X الخاص بالسكرتيرة الصحفية الأمريكية.